شهدت العقود الأخيرة دعوات تجديدية ترمو إلى إعادة قراءة النص القرآني بصفة خاصة والعقل الإسلامي -وما جاد به من إرث فكري-بصفة عامة وفق مناهج الفلسفة الجدلية المادية والتحليل الأدبي النقدي، تحت مسمى التجديد والحداثة، مما أدى إلى تعدد القراءات للنص الواحد ،هذه القراءات نهضت على مقومات مفادها أن كل فهم يتأثر بخلفيات مفسره، كما تضع التغير المستمر والمتجدد لعملية الفهم وإنتاج الدلالة-بما يتراءى لأفق القاريء وتأويليه الذاتي-أولى خطواتها، مع الأخذ في الاعتبار تاريخية النص وقصره على أسباب نزوله خارج معطيات النص وبعيدا عن مراد قائله،فهي في مجملها قراءات تفسرية نقدية قامت على استرفاد علوم الغرب ومناهجه التشكيكية النقدية-على اختلافها انطلاقا وغاية مع طبيعة النص القرآني - إلى ساحة تفسير النص القرآني فهما ومقاربة وتحريرا،والبحث هنا يهدف من تلك الدراسة الوقوف على المرتكزات التي عول عليها دعاة القراءة الحداثية، وذلك من خلال النظر في المسالك اللغوية التي عولوا عليها عند قراءتهم للنص القرآني،وفي سبيل تحقيق هذا الهدف اتبع البحث الأدوات الإجرائية للمنهج الوصفي،هذا وكان من أبرز النتائج التي توصل إليها البحث أن القراءة الحداثية تعني صرف اللفظ عن وجهته التشريعية،والخروج به عن معطيات النص وماينتجه من مضامين دلالية حالية ولغوية،وإخضاعه لعنان القاريء وهواه المتشبع بمعطيات ثقافته،فالقراءات الحداثية التي أنتجها الفكر العلماني قراءة عبثية منحرفة دلالية يمج عنها النظم القرآني أخرجت التأويل من قيمته البيانية إلى وسيلة متذرع بها لزحزحة القداسة عنه،وهدم أصول العقيدة من خلال إفراغ المعاني القرآنية من مضمونها الإيماني وتنزيلها على مصطلحات حادثة تنبو عنها؛ لذا يوصي البحث بعدم الانسياق وراء هذه الدعوات التبديدية التي تحاول جلب الواقع الغربي بمناهجه النقدية إلى الواقع العربي الإسلامي، والبحث بدلا من ذلك عن قراءة حداثية مبدعة موصولة بالتراث تعتمد روح الحداثة تخرج النص من موقف إهدار دلالة المفردة القرآنية المعجمية والسياقية إلى موقف التفعيل لها، والتأصيل لقراءة حداثية منضبطة تتوافق مع مقاصد التشريع من غير تعذر لمراد الشارع، قراءة تعتمد روح الحداثة تحكمها مرجعية لغوية تراثية منبثقة من مقررات اللسان العربي.
)
مشاهدة على SCiNiTO